في كتابه "الأغاني"، يسرد الأصفهاني قصة تلقي الضوء على أهمية الدعاية. القصة تدور حول تاجر من الكوفة الذي قدم إلى المدينة المنورة بحمولة من الخمر السود المعروفة بـ "جمع الخمار". حاول بيع كامل الكمية، ولكن الخمر السودة بقيت دون شراء من النساء، مما جعلها عبءًا على الشاكل.
كان هذا التاجر صديقًا للدارميّ، شاعر مكي يعيش في المدينة. كان الدارميّ معروفًا بشعره الغزلي وله حظ من الغناء، ولكنه فيما بعد تخلى عن الغناء وترك كتابة القصائد الغزلية.
فاشتكى التاجر لصديقه بسبب تدهور أعماله التجارية، وأجابه الدارميّ قائلاً: "لا تقلق، سأساعدك في بيعها."
ثم قال الدارميّ هذه الأبيات:
"قل للمليحة في الخمار الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبدِ
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفتِ له ببابِ المسجدِ
رُدّي عليه صيامه وصلاته
لا تفتنيه بحق دين محمدِ"
قل للمليحة في الخمار الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبدِ
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفتِ له ببابِ المسجدِ
رُدّي عليه صيامه وصلاته
لا تفتنيه بحق دين محمدِ
انتشرت هذه الأبيات بسرعة بين الناس، وجذبت النساء إلى الخمر السود، ونجح التاجر الكوفي في بيع بضاعته ومواصلة رحلته التجارية، بينما عاد الدارميّ لحياته الزاهدة والعبادية، متخلى عن الغناء وكتابة الأشعار الغزلية.
تلك الأبيات الشعرية بجماليتها أثبتت فعالية الدعاية والإعلان حتى في زمن قديم، حيث استطاعت تحويل منتج يبدو غير جذاب إلى منتج مرغوب وذلك بفضل قوة الكلمة وقدرتها على استهواء الجمهور وتحفيزهم للشراء والنجاح.
هذه القصة التاريخية توضح أهمية الدعاية الدائمة. حتى في العصور القديمة، يمكن أن تحول رسالة مصقولة بعناية منتج يبدو عديم الجاذبية إلى منتج مرغوب بشكل كبير. إنها تسلط الضوء على قوة الكلمات القائلة وقدرة الإعلان الفعّالة على أسر خيال الجمهور، مما يدفع في النهاية المبيعات ويحقق النجاح.